الجديد النفط

تقليدياً، اعتمدت الاقتصادات في جميع أنحاء العالم بشكل كبير على الموارد الطبيعية، وخاصة النفط والغاز الطبيعي، لتحقيق النمو الاقتصادي، ومع ذلك، فإن تقلب أسواق النفط والتحول نحو التنمية المستدامة دفعا إلى استكشاف محركات اقتصادية بديلة، ويمثل الاقتصاد الإبداعي، الذي يشمل مجموعة من الأنشطة الثقافية والفنية، خياراً قابلاً للتطبيق في مجتمعات اقتصادية (مثل العراق) متأثرة بالحرب وجديدة التكوين والنمو الاقتصاديين، وهذا الاقتصاد ليس مرناً فحسب، بل قادر أيضاً على تعزيز الابتكار والتنوع الثقافي والنمو الشامل، حيث يقدم الاقتصاد الإبداعي بديلاً ديناميكياً ومستداماً لمحركات الاقتصاد التقليدية مثل النفط، ومن خلال تسخير الإبداع والتكنولوجيا والأصول الثقافية، تستطيع البلدان تنويع اقتصاداتها، وخلق فرص عمل جديدة، ودفع النمو الشامل والمستدام.

يعد الاقتصاد الإبداعي، ممثلاً بالصناعات الثقافية والإبداعية، قوة رئيسية في الاقتصاد العالمي، حيث يولد إيرادات كبيرة وفرص عمل، وفي عام 2013، حققت الصناعات الثقافية والإبداعية إيرادات بلغت 2250 مليار دولار أمريكي، ووفرت 29.5 مليون فرصة عمل في جميع أنحاء العالم حسب تقرير اليونسكو، وتتجاوز هذه المساهمة الاقتصادية مساهمة خدمات الاتصالات وهي أكبر من الناتج المحلي الإجمالي للهند، القطاعات الثلاثة الأولى في الصناعات الثقافية والإبداعية هي السينما والتلفزيون، والموسيقى، والفنون البصرية والاعلانات والالعاب الالكترونية والفنون المعمارية.

تشمل النقاط الرئيسية لتأثير الصناعات الثقافية والإبداعية الوصول العالمي والتنوع، فالصناعات الثقافية والإبداعية هي قطاع متعدد الأقطاب له مساهمات كبيرة من مختلف المناطق، تعد منطقة آسيا والمحيط الهادئ أكبر سوق حسب تقرير اليونسكو عام 2015، حيث تمثل 33% من مبيعات الصناعات الثقافية والإبداعية العالمية، تليها أوروبا وأمريكا الشمالية، أمريكا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط، على الرغم من أنها تحتل مرتبة أقل في افريقيا والشرق الاوسط، إلا أنها توفر فرصاً تنموية كبيرة​​​​، وكذلك في توظيف الشباب ومشاركة المرأة، وتساهم الأنشطة الإبداعية بشكل كبير في توظيف الشباب وهي أكثر انفتاحاً على الناس من جميع الأعمار والخلفيات، حيث توفر فرص عمل متنوعة مقارنة بالصناعات التقليدية، والتنمية الحضرية والسياحة الثقافية، تعمل البنية التحتية الثقافية ذات المستوى العالمي كمحفز للتنمية الحضرية، مما يعزز جاذبية المدينة للسياح والمواهب والعمال الماهرين، تعد السياحة الثقافية والمناطق الثقافية في المدن أصولاً استراتيجية للاقتصادات المحلية، حيث تساهم في التجديد والنمو الحضري، اما على مستوى الاقتصاد غير الرسمي والقرصنة، تساهم المبيعات غير الرسمية في البلدان الناشئة، بما في ذلك العروض غير الرسمية والسلع الثقافية المقرصنة، بشكل كبير في القيمة الاقتصادية للصناعات الثقافية والإبداعية، ومع ذلك، فإن القرصنة الرقمية، على الرغم من عدم قياسها من حيث تأثير الإيرادات، تمثل تحدياً ملحوظاً، وعلى مستوى تأثير الاقتصاد الرقمي، تؤثر الصناعات الثقافية والإبداعية بشكل كبير على الاقتصاد الرقمي، مما يزيد الطلب على الإلكترونيات والأجهزة الرقمية، تعد السلع الثقافية الرقمية، بما في ذلك الكتب الإلكترونية والموسيقى وألعاب الفيديو، مصادر دخل رئيسية في القطاع الرقمي، وحقوق المؤلفين والإدارة الجماعية، وحماية حقوق المؤلفين وضمان التعويض العادل للمبدعين أمر بالغ الأهمية لاستدامة ونمو الصناعات الثقافية والإبداعية.

يعد هذا الاقتصاد مساهماً كبيراً في أهداف التنمية المستدامة والاقتصاد العالمي، حيث يمثل 3.1٪ من الناتج التجاري الإجمالي العالمي، وهي مسؤولة عن 3% من إجمالي صادرات السلع و21% من صادرات الخدمات على مستوى العالم، مما يوفر فرص عمل لجزء كبير من القوى العاملة، ومع ذلك، كان لجائحة كوفيد-19 تأثير مدمر على بعض الصناعات الإبداعية، مما أدى إلى فقدان حوالي 10 ملايين وظيفة في جميع أنحاء العالم وانكماش بقيمة 750 مليار دولار في عام 2020، مما أثر بشكل خاص على الفنون المسرحية وصالات السينما وقطاع السياحة والقطاعات التي تتطلب اختلاط عام.

تستخدم البلدان والمنظمات أساليب مختلفة لتصنيف وقياس المساهمات الاقتصادية لصناعاتها الإبداعية، على الرغم من هذه التحديات، فإن ظهور تقنيات الثورة الصناعية الرابعة مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد، والذكاء الاصطناعي، والواقع المعزز/الواقع الافتراضي، والبلوكشين، وإنترنت الأشياء، يعمل على تحويل هذه الصناعات، وخلق فرص جديدة لإنتاج وتوزيع واستهلاك السلع والخدمات الإبداعية، وقد أدى الوباء إلى تسريع هذا التحول التكنولوجي، وخاصة نحو التجارة الإلكترونية والمنصات الرقمية.

ومع ذلك، لا تزال الفجوة الرقمية تشكل حاجزاً كبيراً، حيث إن أكثر من ثلث سكان العالم، وخاصة في البلدان النامية وأقل البلدان نمواً، لا يستخدمون الإنترنت، وتعرقل هذه الفجوة الشمولية والانتشار العالمي للاقتصاد الإبداعي، مما يؤثر بشكل خاص على وصول الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى الأسواق العالمية، ولتطوير الاقتصادات الإبداعية، من الضروري التركيز على تطوير المهارات البشرية والتغلب على عوائق البنية التحتية، ويتم تشجيع الحكومات على العمل نحو مفاهيم ونطاقات متجانسة لهذه الاقتصادات والصناعات، مع سياسات تعليمية يسهل الوصول إليها وشاملة، مع التركيز على الكفاءات الرقمية والمهارات التكميلية مثل التصميم والتسويق وريادة الأعمال.

ومن أجل رسم خرائط وقياس فعال للاقتصادات الإبداعية، من الضروري وجود أهداف واضحة، وإشراك أصحاب المصلحة، واستخدام مصادر البيانات المتاحة، حيث هناك حاجة إلى بيانات أفضل لقياس المساهمة الاقتصادية للصناعات الإبداعية وتدفقات التجارة الدولية، وتتزايد أهمية الخدمات الإبداعية، حيث تمثل حصة كبيرة من صادرات الخدمات العالمية وتوفر فرصاً للتنويع الاقتصادي والاندماج في سلاسل القيمة التجارية العالمية، ومع ذلك، فإن البلدان النامية ممثلة تمثيلاً ناقصاً في صادرات الخدمات الإبداعية، ولا سيما في قطاعي البحث والتطوير.